ما معنى اصنعوا لكم اصدقاء بمال الظلم حتى اذا فنيتم يقبلونكم في المظال الابدية ؟


أَنَا أَقُولُ لَكُمُ أي أيها التلاميذ (خلافاً لقول وكيل الظلم لنفسه) أنتم أولاد النور ولا شركة لكم في أعمال الظلمة والخيانة ومع ذلك تقدرون أن تتعلّموا شيئاً من أعمال أولئك الخائنين.




ٱصْنَعُوا لَكُمْ أَصْدِقَاءَ لم يقل المسيح اصنعوا أموال الظلم أصدقاء أي أحببوها بل اصنعوا الأصدقاء بواسطتها. ولم يقل أخزنوا الأموال أو اقتنوا بواسطتها البيوت والحقول والثياب الفاخرة وأولموا الولائم لكن قال اصنعوا «أصدقاء». وقوله «اصنعوا لكم أصدقاء» مبني على قول وكيل الظلم في العدد الرابع فإنه قصد أن يجعل له أصدقاء بواسطة مال سيده ليقبلوه في بيوتهم. وقال المسيح أنه يجب على المسيحيين أن يتمثلوا به في استعمال أمواله لكي يحصلوا على السعادة المستقبلة لكن يأتون ذلك بوسائط عادلة. فإن أنفقنا أموالنا على فقراء المسيح وسددنا حاجاتهم جعلناهم أصدقاءنا إلى الأبد. وإن أنفقنا مالنا في طريق يؤدي إلى خلاص النفوس الهالكة كان الذين خلصوا بواسطتنا أصدقاءنا في السماء. وعلى هذا يكون الملائكة الذين يفرحون بتوبة كل خاطئ يتوب أصدقاءنا لأننا وسطاء توبتهم. والمسيح الذي مات لأجلهم يكون صديقاً لنا وكذلك الآب الذي أحبهم وأرسل المسيح ليخلصهم.




مَالِ ٱلظُّلْمِ أي المال المعتاد. وأضيف إلى الظلم لا لأن كل مال نتيجة الظلم لكن لكثرة ما يكون كذلك. وسمي كذلك مقابلة بالمال الباقي. ولأن المال فان خادع يعِد الإنسان بالسعادة ولم يُنله إياها. ومعنى الجملة كلها وفي قوله «اصنعوا لكم الخ» انفقوا مالكم بطريق يكون بها شاهداً لكم في السماء يوم الدين لا عليكم. فيكون ذلك إن أنفقتموه على الفقراء إكراماً لله وإن أنفقتموه في سبيل انتشار الإنجيل وخدمة الله وكنيسته وخلاص العالم. فتعلّمنا صريحاً أن الإنسان يمكنه أن ينفق ماله في سبيل يزيد بها سعادته السماوية لا بأن يشتري بماله رضى الله ومغفرة الخطايا ومنزلة في السماء فيمكننا أن نزيد سعادتنا السماوية بواسطة أمانتنا في التصرف بأموالنا. وذلك وفق قول المسيح «ٱكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً فِي ٱلسَّمَاءِ» (متّى ٦: ٢٠) وقول الرسول «وَأَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فِي أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، وَأَنْ يَكُونُوا أَسْخِيَاءَ فِي ٱلْعَطَاءِ... مُدَّخِرِينَ لأَنْفُسِهِمْ أَسَاساً حَسَناً لِلْمُسْتَقْبَلِ» (١تيموثاوس ٦: ١٨ و١٩).




حَتَّى إِذَا فَنِيتُمْ أي متم.




يَقْبَلُونَكُمْ أي الأصدقاء المذكورون آنفاً الذين ربحتموهم بواسطة أموالكم فإن كانوا من الفقراء الذي أنفتقتم عليهم أم ممن اهتدوا إلى الخلاص بواسطة ما أنفقتموه على المقاصد الدينية فهم ينتظرونكم في السماء ليرحبوا بكم. (فالمثل صوّر لهم كل من الفريقين توفّي قبلهم). ولكن ينبغي أن نعلم أن أولئك المحسن إليهم لا يفتحون أبواب السماء للمحسنين إنما يرحبون بهم وهم داخلون بواسطة إيمانهم بالمسيح.




ٱلْمَظَالِّ ٱلأَبَدِيَّةِ أي السماء ونعتت هذه المظال بأنها أبدية مقابلة لها بالمساكن الأرضية الزائلة.




اتخذ وكيل الظلم بخيانته وحكمته أصدقاء دنيويين قبلوه في بيوتهم الأرضية (ع ٤) فيجب على المسيحيين أن يتخذوا بتصرفهم في الأموال بالحكمة والعدل أصدقاء سماويين يقبلونهم في المواطن السماوية.




وخلاصة مثل وكيل الظلم ثلاثة أمور. الأول: والأعظم وجوب النظر في المستقبل. فإن كان الأشرار يبذلون ما في وسعهم من الحكمة بغية اقتناء البيوت الزائلة بالخداع فكم بالحري يجب على تلاميذ المسيح أن يستفرغوا كل ما عندهم من الحكمة لكي يقتنوا المساكن الباقية. والثاني وجوب إنفاق المال بالحكمة فإن كان ذلك الوكيل الشرير تصرف في ما وصلت إليه يده من المال في سبيل أدت به إلى غايته اللئيمة فكم يجب على تلاميذ المسيح أن يتصرفوا في أموالهم بالحكمة لكي يربحوا الخير الأبدي. لكن يجب أن لا يستنتج من ذلك أن الخطأة يستطيعون الحصول على المغفرة والسماء بواسطة صدقاتهم فخطاب المسيح كان لتلاميذه الذين هم أبناء النور وورثة السماء بإيمانهم به. والثالث وجوب أن يحسب كل إنسان نفسه وكيل الله تعالى وأن ماله ليس له بل لربه. وإن لم يصح أن نحسب المراد بالغني الله. ووكيل الظلم كل إنسان. وأنه لا بد من أن تأتي ساعة يدعو السيد فيها كل إنسان للمحاسبة. فمن أسمى طرق الحكمة أن نستعمل مال الله الذي وكله إلينا في طريق ترضيه تعالى وتؤدي بنا إلى السعادة الأبدية ويجب أن نشكره تعالى على أنه أوجد طريقاً نستطيع بها أن نبدل مال الظلم بمال الحق والكنز الفاني بالكنز الباقي.