اية اليوم

تث26: 2 فتاخذ من اول كل ثمر الارض الذي تحصل من ارضك التي يعطيك الرب الهك وتضعه في سلة وتذهب الى المكان الذي يختاره الرب الهك ليحل اسمه فيه

كان يطلب من المؤمن أن يأتي بسلَّة يجمع فيها بكور الفواكه التي للرب كل سنة، وذلك بجانب السنبلة البكر التي تقدَّم عن الأرض كلها في اليوم التالي من الفصح (لا 23: 10). يُحضر كل رجل لنفسه سلَّة البكور في عيد البنطقستي (الأسابيع) عند نهاية المحصول، حيث يدعى "عيد البكور" (خر 34: 22). ويقال أنَّها تحفظ مع التقدمة الاختياريَّة حسبما تسمح به يد الإنسان (تث 16: 10).

يرى اليهود أنَّه عندما يجد الإنسان أن الثمار قد نضجت يأخذ بكورها للرب ويضعها في السلَّة التي تحوي قمحًا وشعيرًا وعنبًا وتينًا ورمَّانًا وزيتونًا وبلحًا، ويضع بين كل صنف والآخر أوراقًا من الشجر، ثم يقوم بتقديم هذه السلَّة.

تقديم البكور هي تقدَّمة شكر لله الذي وهبهم أرض الموعد بعد مرارة عبوديَّة مصر. وهي رمز للسيِّد المسيح بكرنا، به تمتَّعنا بالحياة الأبديَّة وحُسبنا ملكًا لله.

يلاحظ في هذه التقدمة الآتي:

أولًا: بهذه التقدمة يعترف المؤمن بأن كل ما لديه هو عطيَّة من الله، وأنَّه يقدِّم ممَّا وهبه الله.

ثانيًا: أن يجحد الإنسان ذاته، فيقدِّم بكور الثمار الناضجة لله، مقدِّمًا ما لله قبل ما يأخذه لنفسه، أو بمعنى آخر أن الله أولًا في كل شيء. هكذا يليق بنا أن نقدِّم باكورة حياتنا وأوقاتنا وأعمالنا ومواهبنا لله، نقدِّم أفضل ما لدينا لحسابه.

ثالثًا: إذ يقدِّم المؤمن الباكورة من أفضل المحصول يعلن أن الشعب الذي تكرَّس لله من وسط شعوب العالم يلزم أن يكون بكرًا ناضجًا، فلا نسمع ما قيل بميخا النبي: "ويل لي لأنِّي صرت كجَنيْ الصيف كخصاصة القطاف، لا عنقود للأكل، ولا باكورة تينة اشتهتها نفسي؛ قد باد التقي من الأرض، وليس مستقيم بين الناس، (مي 7: 1-2).

رابعًا: إذ يأتي المؤمن بالسلَّة حاملًا بكور المحصولات يؤكِّد أن الأرض التي وعد الله بها آباءه والتي تسلمها لا تزال بين يديه وفي ملكيَّته. فقد جاء وقت فقد الشعب أرضه واُقتيدوا إلى السبي في أشور (إسرائيل) ثم في بابل (يهوذا).

خامسًا: يرافق العطاء المادي تقدمه شكر لله، بها يعترف المؤمن بمعاملات الله مع كل آبائه عبر كل الأجيال، بأنَّها معاملات معه هو شخصيًا، إذ يقول:

"وتأتي إلى الكاهن الذي يكون في تلك الأيَّام وتقول له:

اعترف اليوم للرب إلهك إنِّي قد دخلت الأرض التي حلف الرب لآبائنا أن يعطينا إياها" [3].

بعد ذلك يضع الكاهن السلَّة أمام مذبح الرب:

"فيأخذ الكاهن السلَّة من يدك ويضعها أمام مذبح الرب إلهك.

ثم تصرح وتقول أمام الرب إلهك:

أراميًا تائهًا كان أبي، فانحدر إلى مصر، وتغرَّب هناك في نفرٍ قليل،

فصار هناك أمَّة كبيرة وعظيمة وكثيرة.

فأساء إلينا المصريُّون وثقلوا علينا وجعلوا علينا عبوديَّة قاسيَّة.

فلما صرخنا إلى الرب إله آبائنا سمع الرب صوتنا، ورأى مشقَّتنا وتعبنا وضيقنا.

فأخرجنا الرب من مصر بيدٍ شديدة وذراعٍ رفيعة،

ومخاوف عظيمة وآياتٍ وعجائب.

وأدخلنا هذا المكان،

وأعطانا هذه الأرض أرضًا تفيض لبنًا وعسلًا" [5-10].

هكذا يقدِّم كل مؤمن تسبحة شكر لله على عطاياه له الشخصيَّة وعلى الشعب كله عبر الأجيال. في هذه التسبحة يعترف المؤمن بالآتي:

أ. تتطلَّع كل الأجيال إلى البركات التي تنالها، فترى أن ما تحقَّق معها هو وعد إلهي لإبراهيم الذي لم يكن إسرائيليًا بل كان آراميًا (سريانيًا)، تائهًا، لم يكن له موضع يستقر فيه. في عيد الشكر يلزمهم أن يتقدَّموا بروح التواضع، مدركين أن آباءهم إبراهيم وإسحق ويعقوب لم يكونوا إسرائيليِّين. لهذا يليق بهم أن ينفتح قلبهم بالحب نحو الأمم الأخرى.

عاش إبراهيم أب الآباء في الميصة (ما بين النهرين) كما جاء في سفر التكوين (29-31). وإلى هذه المنطقة يعود أصله (تك 11: 31).

2. إذ يعتزُّوا أنَّهم أبناء إبراهيم، فإنَّه كان هو ورجاله عددًا قليلًا [5]. فما بلغوه من كثرة العدد هو هبة إلهيَّة.

3. أن شعبه وُلد فقيرًا وغريبًا ومضطهدًا في مصر، والآن صار غنيًا وعظيمًا جدًا، فلا مجال للكبرياء، ولا موضع لتجاهل غنى نعمة الله عليه. فإنَّه لا تقبل أيَّة تقدمة ما لم يصحبها تسبحة مملوءة بروح التواضع والشكر لله. هكذا خلال هذه التقدمة السنويَّة بطقوسها الروحيَّة تبقى ذكرى معاملات الله معهم وعطاياه وبركاته موضع لهجِهم المستمر.

كأنَّه في كل عام إذ يحتفل المؤمن بعيد البكور أو بيوم الشكر يسبِّح الله على البركات التالية:

· يرجع أصله إلى آباء آراميِّين (سريان) لم يكونوا بعد شعب الله المختار، لكنَّهم محبوبون جدًا لديه ونالوا المواعيد الإلهيَّة، ودخلوا في عهد مع الله أو جدَّدوا العهد معه.

· أن آباءه كانوا غرباء في مصر، سقطوا تحت مرارة العبوديَّة، والآن ينال هو الحريَّة.

· كان الشعب عند دخولهم مصر قلَّة قليلة والآن صار العدد لا يُحصى.

· نال نصيبًا من أرض الموعد التي لا تزال تقدَّم له خيرات مجَّانيَّة مستمرَّة.

· يتمتَّع الآن بالحضرة الإلهيَّة، إذ يقف أمام الرب ليقدِّم حب وعطاء ممَّا وهبه الله، ويجدِّد العهد معه!

خامسًا: تأكيد أن ما يقدِّمه المؤمن إنَّما هو ممَّا وهبه الله له.

"فالآن هأنذا قد أتيت بأول ثمر الأرض التي أعطيتني يا رب.

ثم تضعه أمام الرب إلهك، وتسجد أمام الرب إلهك" [10].

يليق بالمؤمن أن يُترجم تسبحة الشكر إلى عمل، أو عطاء، كما فعل يعقوب: "كل ما تعطيني فإنِّي أعشِّره لك" (تك 22: 22). هذا ما عبَّر عنه سليمان الحكيم يوم تدشين بيت الرب، وما يؤكِّده رجال الله على الدوام (1أي 29: 14).

سادسًا: يُصاحب التقدمة مشاعر الفرح التي تعم البيت كله. "وتفرح بجميع الخير الذي أعطاه الرب إلهك لك ولبيتك أنت واللاوي والغريب الذي في وسطك" [11]. فالله يريد من شعبه أن يفرحوا ويتهلَّلوا، يأكلون خبزهم بالفرح وبساطة القلب، ممجدين الله (أع 2: 46-47).

سابعًا: إن كان الفرح هو عطيَّة إلهيَّة شخصيَّة يتمتَّع بها المؤمن خلال بركات الله وعبادته، فإنَّه لا يقدر المؤمن أن يمارس هذا الفرح إلاَّ خلال الجماعة، إذ يفرح معه خدَّام الكلمة والغرباء. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). "تفرح... أنت واللاوي والغريب الذي في وسطك" [11].