اية اليوم
تث29: 29 السرائر للرب الهنا والمعلنات لنا ولبنينا الى الابد لنعمل بجميع كلمات هذه الشريع
والمعلنات لنا ولبنياننا إلى الأبد، لنعمل بجميع كلمات هذه الشريعة"
لهذه العبارة أهمية خاصة في الكشف عن غاية الرؤى والإعلانات الإلهية، فإن الله لا يقدمها لإشباع حب الاستطلاع فينا ولا لإشباعنا عقليًا، وإنما لأجل بنياننا ونمونا عمليًا. الإعلانات والمعجزات ليست استعراضًا لأسرار الله وقوته، بل هي دعوة للتمتع بها في حياتنا العملية.
حينما أعلن لنا الكتاب المقدس عن الخلقة كمثال، تحدث في بساطة لأجل نفعنا، دون الحديث في أسلوب علمي ولا فلسفي. فكلمة الله ليست كتابًا علميًا أو فلسفيًا بل هو كلمة إلهية تحمل الإنسان إلى حضن الله عمليًا. تعلن عن أبوة الله وشوقه للدخول في عهدٍ معنا وعمله الخلاصي حتى نتجاوب معه بالإيمان الحيّ العملي والطاعة الكاملة.
الإعلانات الإلهية ليست حوارات عقلية لكنها هي تنازل إلهي خلال الحب ليتعرف الإنسان على محبوبه، ويشتاق أن ينطلق إليه ويتمتع بالسكنى معه الآن وعلى مستوى أبدي. لهذا تُقدم لكل إنسان قدر ما يحتمل، وما هو لنفعه، وتبقى أسرار الله غير المحدودة رصيدًا نتمتع به في الأبدية لا ينضب، ندركه بأعماق جديدة مستمرة بشوق عظيم ورغبة متزايدة حتى في الأبدية.
يقول موسى النبي: "الأسرار للرب... والمعلنات لنا"، وكأن ما يعلنه لنا إنما هو ما يخصنا، وليس لإدراك الله المطلق .كما عن "طبيعة الله غير المدركة" يكشف فيها عن إعلانات الله عن طبيعته للخليقة السماوية والأرضية قدر ما يستطيعون أن يتمتعوا.
"المعلنات لنا"، إذ صرنا "وكلاء أسرار الله" (1 كو 4: 1)، صارت إعلانات الله تعني بالنسبة التزامًا ومسئولية للشهادة عنها أمام الغير. فالرؤى إعلانات ليست موضوع فخر بل دعوة للعمل والكرازة. لهذا إذ يتحدث الرسول عن كشف السرّ الإلهي يربطه بالخدمة، قائلًا: "السرّ المكتوم منذ الدهور ومنذ الأجيال لكنه الآن قد أُظهر لقديسيه، الذين أراد الله أن يعرفهم ما هو غنى مجد هذا السرّ في الأمم، الذي هو المسيح فيكم رجاء المجد؛ الذي ننادي به منذرين كل إنسان، ومعلمين كل إنسانٍ بكل حكمة لكي نُحضر كل إنسانٍ كاملًا في المسيح يسوع" (كو 1: 26-28).
من يتمتع بالسر يشتهي أن يشاركه الكل ذات الخبرة، فلا يكف عن الصلاة والعمل لأجل تحقيق ذلك. وكما يقول الرسول بولس: "كي يعطيكم إله ربنا يسوع المسيح أبو المجد روح الحكمة والإعلان في معرفته، مستنيرة عيون أذهانكم..." (أف 1: 17-18).
هذا وأنه مهما نلنا من إعلانات، فإننا نعرف السرّ الإلهي جزئيًا (1 كو 13: 9)، ما دمنا لا نزال في الجسد في هذا العالم الحاضر.
كأن النبي موسى يؤكد خضوعنا لحكمة الله الفائقة، فإنه يعلن لنا قدر ما نحتمل، وما فيه نفعنا، لكن تبقى خطة الله فائقة بالنسبة للعقل. يقول السيد المسيح لتلاميذه: "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه" (أع 1: 7). كما قال لتلميذه بطرس عن يوحنا الحبيب: "إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجيء فماذا لك؟! اتبعني أنت" (يو 21: 22). ويقول الرسول بولس: "لا يخسركم أحد الجعالة راغبًا في التواضع وعبادة الملائكة، متداخلًا في ما لم ينظره، منتفخًا باطلًا من قبل ذهنه الجسدي" (كو 2: 18).
يدعونا الرب لطلب المعرفة والجهاد فيها، لأنه يشتاق أن نحمل معرفة صادقة من عنده، لكن فيما هو لبنياننا وقدر احتمالنا، فلا نرتئي فوق ما نرتئي (رو 12: 3). هكذا كل معرفة وكل رؤيا لا تكون بلا هدف بل لنفعنا وبنياننا.
لهذه العبارة تقدير خاص لدى اليهود، حاسبين أنها تقدم مواضيع غاية في الأهمية تخصهم.